سورة ص - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


قرأ ابن كثير: {واذكر عبدنا} على الإفراد، وهي قراءة ابن عباس وأهل مكة. وقرأ الباقون: {واذكر عبادنا} على الجمع، فأما على هذه القراءة فدخل الثلاثة في الذكر وفي العبودية، وأما على قراءة من قرأ {عبدنا}، فقال مكي وغيره: دخلوا في الذكر ولم يدخلوا في العبودية إلا من غير هذه الآية وفي هذا نظر.
وتأول قوم من المتأولين من هذه الآية أن الذبيح {إسحاق} من حيث ذكره الله بعقب ذكر أيوب أنبياء امتحنهم بمحن كما امتحن أيوب، ولم يذكر إسماعيل لأنه ممن لم يمتحن، وهذا ضعيف كله وقرأ الجمهور: {أولي الأيدي}.
وقرأ الحسن والثقفي والأعمش وابن مسعود: {أولي الأيد}، بحذف الياء، فأما أولو فهو جمع ذو، وأما القراءة الأولى ف الأيدي فيها عبارة عن القوة في طاعة الله، قاله ابن عباس ومجاهد، وقالت فرقة بل هي عبارة عن القوة في طاعة الله، قاله ابن عباس ومجاهد، وقالت فرقة بل هي عبارة عن إحسانهم في الدين وتقديمهم عند الله تعالى أعمال صدق، فهي كالأيادي. وقالت فرقة: بل معناه: أولي الأيد والنعم التي أسداها الله إليهم من النبوءة والمكانة. وقال قوم المعنى: أيدي الجوارح، والمراد الأيدي المتصرفة في الخير والأبصار الثاقبة فيه، لا كالتي هي منهملة في جل الناس، وأما من قرأ {الأيد} دون ياء فيحتمل أن يكون معناها معنى القراءة بالياء وحذفت تخفيفاً، ومن حيث كانت الألف واللام تعاقب التنوين وجب أن تحذف معها كما تحذف مع التنوين. وقالت فرقة: معنى الأيدي، القوة، والمراد طاعة الله تعالى.
وقوله تعالى: {والأبصار} عبارة عن البصائر، أي يبصرون الحقائق وينظرون بنور الله تعالى، وبنحو هذا فسر الجميع.
وقرأ نافع وحده: {إنا أخلصناهم بخالصةِ ذكرى الدار} على إضافة {خالصةِ} إلى {ذكرى}، وهي قراءة أبي جعفر والأعرج وشيبة. وقرأ الباقون والناس: {بخالصةٍ ذكر الدار} على تنوين {خالصة}، وقرأ الأعمش: {بخالصتهم ذكر الدار}، وهي قراءة طلحة.
وقوله: {بخالصة} يحتمل أن يكون خالصة اسم فاعل كأنه عبر بها عن مزية أو رتبة، فأما من أضافها إلى ذكرى، ف {ذكرى} مخفوض بالإضافة، ومن نون خالصةٍ، ف {ذكرى} بدل من خالصة، ويحتمل قوله: {بخالصة} أن يكون خالصة مصدراً كالعاقبة وخائنة الأعين وغير ذلك، ف {ذكرى} على هذا ما أن يكون في موضع نصب بالمصدر على تقدير: {إنا أخلصناهم} بأن أخلصنا لهم ذكرى الدار، ويكون خالصة مصدراً من أخلص على حذف الزوائد، وإما أن يكون {ذكرى} في موضع رفع بالمصدر على تقدير {إنا أخلصناهم} بأن خلصت لهم ذكرى الدار، وتكون خالصة من خلص.
و {الدار} في كل وجه في موضع نصب ب {ذكرى}، و{ذكرى} مصدر، وتحتمل الآية أن يريد ب {الدار} دار الآخر على معنى {أخلصناهم}، بأن خلص لهم التذكير بالدار الآخرة ودعاء الناس إليها وحضهم عليها، وهذا قول قتادة، وعلى معنى خلص لهم ذكرهم للدار الآخرة وخوفهم لها والعمل بحسب قول مجاهد. وقال ابن زيد: المعنى إنا وهبناهم أفضل ما في الدار الآخرة وأخلصناهم به وأعطيناهم إياه، ويحتمل أن يريد ب {الدار} دار الدنيا على معنى ذكر الثناء والتعظيم من الناس والحمد الباقي الذي هو الخلد المجازي، فتجيء الآية في معنى قوله: {لسان صدق} [مريم: 50، الشعراء: 84] وفي معنى قوله: {وتركنا عليه في الآخرين} [الصافات: 78، 108، 119، 129]. و{المصطفين} أصله: المصطفيين، تحركت الياء وما قبلها مفتوح فانقلبت ألفاً، ثم اجتمع سكون الألف وسكون الياء التي هي علامة الجمع، فحذفت الألف. و{الأخيار} جمع خير، وخير: مخفف من خير كميت وميت.
وقرأ حمزة والكسائي: {والليسع}، كأنه أدخل لام التعريف على {اليسع}، فأجراه مجرى ضيغم ونحوه، وهي قراءة علي بن أبي طالب والكوفيين. وقرأ الباقون: {واليسع}، قال أبو علي: الألف واللام فيه زائدتان غير معرفتين كما هي في قول الشاعر: [الكامل]
ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلاً *** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
وبنات الأوبر: ضرب من الكمأة. واختلف في نبوة ذي الكفل، وقد تقدم تفسير أمره وقوله تعالى: {هذا ذكر} يحتمل معنيين: أحدهما أن يشير إلى مدح من ذكر وإبقاء الشرف له، فيتأيد بهذا التأويل قول من قال آنفاً: إن {الدار} يراد بها الدار الدنيا. والثاني: أن يشير بهذا إلى القرآن، إذ هو ذكر للعالم. والمآب: المرجع حيث يؤوبون. و{جنات} بدل من حسن و{مفتحة} نعت للجنات. و{الأبواب} مفعول لم يسم فاعله، والتقدير عند الكوفيين: مفتحة لهم أبوابها، ولا يجوز ذلك عند أهل البصرة، والتقدير عندهم: الأبواب منها، وإنما دعا إلى هذا الضمير أن الصفة لا بد أن يكون فيها عائداً على الموصوف. و{قاصرات الطرف} قال قتادة معناه: على أزواجهن. و{أتراب} معناه أمثال، وأصله في بني آدم أن تكون الأسنان واحدة، أي مست أجسادهم التراب في وقت واحد.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {يوعدون} بالياء من تحت، واختلفا في سورة: {ق}، فقرأها أبو عمرو بالتاء من فوق. وقرأ الباقون في السورتين بالتاء من فوق. والنفاذ: الفناء والانقضاء.


التقدير: الأمر هذا، ويحتمل أن يكون التقدير: هذا واقع ونحوه. والطاغي: المفرط في الشر، مأخوذ من طغا يطغى، والطغيان هنا في الكفر. والمآب: المرجع، و{جهنم} بدل من قولهم: {لشر}. و{يصلونها} معناه: يباشرون حرها. و{المهاد} ما يفترشه الإنسان ويتصرف فيه.
وقوله: {هذا فليذوقوه} يحتمل أن يكون {هذا} ابتداء، والخبر {حميم} ويحتمل أن يكون التقدير: الأمر هذا فليذوقوه، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بفعل يدل عليه {فليذوقوه} و{حميم} على هذا خبر ابتداء مضمر. قال ابن زيد: الحميم، دموعهم تجتمع في حياض فيسقونها وقرأ جمهور الناس: {وغساق} بتخفيف السين، وهو اسم بمعنى السائل، يروى عن قتادة أنه ما يسيل من صديد أهل النار. ويروى عن السدي أنه ما يسيل من عيونهم. ويروى عن كعب الأحبار أنه ما يسيل من حمة عقارب النار، وهي يقال مجتمعة عندهم. وقال الضحاك: هو أشد الأشياء برداً. وقال عبد الله بن بريدة: هو أنتن الأشياء، ورواه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: {وغسّاق} بتشديد السين، بمعنى سيال وهي قراءة قتادة وابن أبي إسحاق وابن وثاب وطلحة، والمعنى فيه على ما قدمناه من الاختلاف غير أنها قراءة تضعف، لأن غساقاً إما أن يكون صفة فيجيء في الآية حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، وذلك غير مستحسن هنا، وأما أن يكون اسماً، فالأسماء على هذا الوزن قليلة في كلام العرب كالفياد ونحوه وقرأ جمهور الناس: {وآخر} بالإفراد، وهو رفع بالابتداء، واختلف في تقديره خبره، فقالت طائفة تقديره: ولهم عذاب آخر. وقالت طائفة: خبره: {أزواج} لأن قوله: {أزواج} ابتداء و{من شكله} خبره، والجملة خبر {آخر}. وقالت طائفة: خبره: {أزواج}، و{من شكله} في موضع الصفة. ومعنى {من شكله}: من مثله وضربه، وجاز على هذا القول أن يخبر الجمع الذي هو أزواج عن الواحد من حيث ذلك الواحد درجات ورتب من العذاب وقوى وأقل منه. وأيضاً فمن جهة أخرى على أن يسمى كل جزء من ذلك الآخر باسم الكل، قالوا: عرفات لعرفة: وشابت مفارقه فجعلوا كل جزء من المفرق مفرقاً، وكما قالوا: جمل ذو عثانين ونحو هذا، ألا ترى أن جماعة من المفسرين قالوا إن هذا الآخر هو الزمهرير، فكأنهم جعلوا كل جزء منه زمهريراً.
وقرأ أبو عمرو وحده: {وأخر} على الجمع، وهي قراءة الحسن ومجاهد والجحدري وابن جبير وعيسى، وهو رفع بالابتداء وخبره {أزواج}، و{من شكله} في موضع الصفة، ورجح أبو عبيد هذه القراءة وأبو حاتم بكون الصفة جمعاً، ولم ينصرف أخر لأنه معدول عن الألف واللام صفة، وذلك أن حق أفعل وجمعه أن لا يستعمل إلا بالألف واللام، فلما استعملت أخر دون الألف واللام كان ذلك عدلاً لها، وجاز في أخر أن يوصف بها النكرة كقوله تعالى:
{فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184- 185] بخلاف جمع ما عدل عن الألف واللام، كسحر ونحوه في أنه لا يجوز أن يوصف به النكرة، لأن هذا العدل في أخر اعتد به في منع الصرف ولم يعتد به في الامتناع من صفة النكرة كما يعتدون بالشيء في حكم دون حكم، نحو اللام في قولهم: لا أبا لك، لأن اللام المتصلة بالكاف اعتد بها فاصلة للإضافة، ولذلك جاز دخول لا، ولم يعتد بها في أن أعرب أبا بالحروف وشأنه إذا انفصل ولم يكن مضافاً أن يعرب بالحركات فجاءت اللام ملغاة الحكم من حيث أعرب بالحرف، كأنه مضاف وهي معتد بها فاصلة في أن جوزت دخول لا.
وقرأ مجاهد: {من شِكله} بكسر الشين. و{أزواج} معناه: أنواع، والمعنى لهم حميم وغساق وأغذية أخر من ضرب ما ذكره ونحوه أنواع كثيرة.
وقوله تعالى: {هذا فوج} هو ما يقال لأهل النار إذا سيق عامة الكفار وأتباعهم لأن رؤساءهم يدخلون النار أولاً، والأظهر أن قائل ذلك لهم ملائكة العذاب، وهو الذي حكاه الثعلبي وغيره، ويحتمل أن يكون ذلك من قول بعضهم لبعض، فيقول البعض الآخر: {لا مرحباً بهم} أي لا سعة مكان ولا خير يلقونه. والفوج: الفريق من الناس.
قوله تعالى: {بل أنتم لا مرحباً بكم} حكاية لقول الأتباع حين سمعوا قول الرؤساء: {أنتم قدمتموه} معناه بإغوائكم، أسلفتم لنا ما أوجب هذا، فكأنكم فعلتم بنا هذا.
وقوله: {قالوا ربنا} حكاية لقول الأتباع أيضاً دعوا على رؤسائهم بأن يكون عذابهم مضاعفاً.


الضمير في: {قالوا} لأشراف الكفار ورؤسائهم، أخبر الله عنهم أنهم يتذكرون إذا دخلوا النار لقوم من مستضعفي المؤمنين فيقولون هذه المقالة، وهذا مطرد في كل أمة جاءها رسول. وروي أن القائلين من كفار عصر النبي عليه السلام هم أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأهل القليب ومن جرى مجراهم، قاله مجاهد وغيره، والمعنى: كنا نعدهم في الدنيا أشراراً لا خلاق لهم، وأمال الراء {من الأشرار}: أبو عمرو وابن عامر والكسائي، وفتحها ابن كثير وعاصم، وأشم نافع وحمزة.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {أتخذناهم سخرياً} بألف الاستفهام، ومعناها: تقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والأسف، أي أتخذناهم سخرياً ولم يكونوا كذلك، واستبعد معنى هذه القراءة أبو علي. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: {سُخريا} بضم السين، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر وابن مسعود وأصحابه ومجاهد والضحاك، ومعناها: من السخرة والاستخدام. وقرأ الباقون: {سِخرياً} بكسر السين وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وعيسى وابن محيصن ومعناها المشهور من السخر الذي هو الهزء، ومنه قول الشاعر [عامر بن الحارث]: [البسيط]
إني أتاني لسان لا أسر بها *** من علو لا كذب فيها ولا سخر
وقالت فرقة يكون كسر السين من التسخير.
و {أم} في قولهم: {أم زاغت} معادلة ل {ما} في قولهم: {ما لنا لا نرى} وذلك أنها قد تعادل {ما}، وتعادل من، وأنكر بعض النحويين هذا، وقال: إنها لا تعادل إلا الألف فقط. والتقدير في هذه الآية: أمفقودون هم أم زاغت؟ ومعنى هذا الكلام: أليسوا معنا أم هم معنا؟ ولكن أبصرنا تميل عنهم فلا تراهم، والزيغ: الميل.
ثم أخبر الله تعالى نبيه بقوله: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} و: {تخاصم} بدل من قوله: {لحق}.
وقرأ ابن أبي عبلة: {تخاصمَ} بفتح الميم. وقرأ ابن محيصن: {تخاصمٌ} بالتنوين {أهلُ النار} برفع اللام.
ثم أمر نبيه أن يتجرد للكفار من جيمع الأغراض، إلا أنه منذر لهم، وهذا توعد بليغ محرك للنفوس، وباقي الآية بين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5